تجدد الصراعات

Print Friendly, PDF & Email
The big thaw is here
The big thaw is here. Photo: rosipaw/flickr.

موسكو- خلال الحرب الباردة قام الاتحاد السوفياتي وبدرجة اقل الولايات المتحدة الامريكية بفرض حدود خارجية على نشاطات الدول والمجتمعات مما تسبب في تجميد صراعات موجودة منذ فترة طويلة بين الدول الاصغر وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينات تجددت تلك الصراعات مرة اخرى .

مع تصاعد التوترات العرقية كانت يوغسلافيا اول بلد يتجه للصراع وبعد ذلك بوقت قصير نشبت الحرب بين ارمينيا واذربيجان وتلاها صراع في ترانسدنيستريا والشيشان وبينما تم التعامل مع بعض الصراعات – تدخل الغرب عسكريا في نهاية المطاف في يوغسلافيا السابقة وحاربت روسيا في الشيشان لعقد من الزمان تقريبا وفرضت السلام في ترانسدنيستريا –تم ببساطة تجميد صراعات اخرى مرة ثانية مثل الصراع بين ارمينيا واذربيجان.

لحسن الحظ لم تنشب جميع الصراعات المحتملة فالاتحاد السوفياتي لم يغرق في بحر العنف مثل معظم الامبرطوريات – لا يوجد تفسير لهذه النتيجة الا التدخل الالهي او مجرد حظ-. بالرغم من تعاظم المشاعر القومية والشكوك المتبادلة تمكنت بلدان وسط وشرق اوروبا من تجنب الصراع بفضل قبولها السريع في الناتو والاتحاد الاوروبي.

وفي تلك اللحظة تنفس العالم وبشكل جماعي الصعداء ولكن مع بدايات الالفية الثالثة اشعلت العولمة جولة ثانية من الصراعات وذلك بقيامها بتسهيل النمو الاقتصادي السريع في الدول الاسيوية والتي كانت مقيدة لقرنين من الزمان بالهيمنة الغربية وقواعد ومؤسسات الحرب الباردة وتفشي الفقر.

مع انتعاش الاقتصادات تزايد النفوذ الاستراتيجي مما ادى الى صعود الجانب الجيوسياسي الاقليمي والذي تشكل على اساس المصالح والمخاوف بدلا من القوى الخارجية. ان فشل الغرب في العراق وافغانستان وما تلا ذلك من ازمة اقتصادية عالمية ( والتي فضحت الضعف الهيكلي الكبير في الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي والتي لم تستطع حكوماتها الديمقراطية ان تحلها) عملت على تسريع هذه العملية .

نتيجة لذلك قامت اوروبا عمليا بالتخلي عن دورها الجيوسياسي العالمي حيث لا توجد اية دلائل تقريبا على تواجدها في شرق اسيا باستثناء التجارة وبالرغم من ان الولايات المتحدة الامريكية قد احتفظت بنفوذ كبير فإن المشاكل الاقتصادية الهيكلية ووجود النخب المقسمة وهزيمتين عسكريتين على ارض الواقع قد حدت من قدرتها على ممارسة هذه القوة .

ان التحالفات القديمة – مثل منظمة معاهدة جنوب شرق اسيا ومنظمة معاهدة الشرق الاوسط ومعاهدة الامن التي تضم استراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة الامريكية- اما ان تكون ماتت او تشرف على الموت وتشكيل تحالفات جديدة قد اثبت صعوبته حيث ترفض الهند ما اقترحته الولايات المتحدة بتواضع غير معهود .

في غضون ذلك فان اسيا مشغولة بتزايد الصراعات الاقليمية في جنوب وشرق بحر الصين حيث تحيي الدول مطالبات قديمة ضد بعضها البعض . ان منطقة شرق وجنوب اسيا منخرطة في سباق تسلح تدور رحاه بشكل رئيسي في البحر فالكل يخاف من الصين والتي ما تزال مسالمة نسبيا ولكنها لم تعد تهتم باخفاء قدرتها العسكرية المتعاظمة ومع عدم وجود توقعات لقيام كيان امني اسيوي في المستقبل القريب فإن خروج الغرب من المنطقة يولد فراغ امني .

اما في منطقة الشرق الاوسط الكبرى فإن سقوط الدكتاتوريات العلمانية الواحدة تلو الاخرى مع تناقص السيطرة الدولية قد ادى الى ظهور مشاعر جديدة من الشك والخلافات الدينية وانعدام الثقة بالغرباء بشكل عام وبالغرب بشكل خاص واعادة احياء لمشاعر قديمة مشابهة وكنتيجة لذلك دخلت المنطقة في مرحلة من الصراعات والتردي الاجتماعي وتصاعد المشاعر القومية والتطرف الديني .

لكن الاكثر تهديدا هو احتمالية ان يؤدي انهيار الاتحاد الاوروبي الى تجدد الصراعات للمرة الثالثة فلقد تم تأسيس الاتحاد الاوروبي من اجل كسر حلقة المشاعر القومية المدمرة ضمن اوروبا والتي ساهمت في صعود نظامين استبدادين تسببا في حربين عالميتين وكان تأسيس الاتحاد بمثابة خلق نموذج للنظام العالمي الانساني وبعد ان كانت اوروبا اسوأ عدو لنفسها وللعالم لقرون اصبحت اوروبا منارة للسلام .

لكن القادة الاوروبيين الذين اعتمدوا على انجازات مؤسسي الاتحاد الاوروبي قد فشلوا بشكل عام في استيعاب التحديات التنافسية التي تشكلها العولمة حيث يبدو انهم نسوا ان الدافع الضمني للمشروع الاوروبي هو سياسي وليس اقتصادي مما دفعهم للاستعجال في توسيع الاتحاد وتحديد اهداف غير واقعية والان يجب ان يدفعوا ثمن اخطائهم عن طريق اصلاح الاطار المؤسساتي الكامل للاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو.

وفي الوقت نفسه يجب على الاوروبيين ان يستعدوا لتحول اكثر عمقا ومن اجل استعادة التنافسية الاقتصادية يتوجب على البلدان الاوروية ان تتخلى عن الكثير من سياساتها المبنية على اساس الرعاية الاجتماعية واصلاح مؤسساستها السياسية . يفضل معظم الاوروبيين تجاهل  تحدي الاصلاح الجذري الذي يلوح بالافق وذلك بسبب ان هذا الاصلاح ينطوي على انخفاض في مستويات المعيشة.

يجب على القادة العالميين ان يشجعوا اوروبا على التعامل مع مشاكلها بشكل حاسم عن طريق تقديم المشورة والدعم المالي والنقد البناء. يتوجب على روسيا ان تستمر بالضغط من اجل انشاء تحالف اوروبا- اطار جديد للعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين الاتحاد الاوروبي وروسيا وبقية اوروبا الكبرى- والذي يمكن ان يكون طريق الخلاص من ازمة اوروبا المتعلقة بالمنظومات .

ان اول تجدد للصراع كان له عواقب وخيمه والان يتوجب على القادة الدوليين ان يعملوا على التقليل من تداعيات تجدد الصراع للمرة الثانية واستخدام كل الوسائل الممكنة لمنع تجدد الصراع للمرة الثالثة.

Copyright Project Syndicate

سيرجي أ كاراجانوف هو رئيس فخري للجنة التنفيذية الدائمة لمجلس سياسات الخارجية والدفاع وهو عميد معهد الاقتصادات العالمية والشؤون الدولية ضمن المعهد الاعلى للاقتصادات في جامعة الابحاث الوطنية الروسي

For additional reading on this topic please see:

The Role of Tactical Nuclear Weapons in Russia’s Military Posture

Could the Arctic Warm Up NATO-Russia Relations?

No Disarmament Euphoria


For more information on issues and events that shape our world please visit the ISN’s featured editorial content and Security Watch.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.