Categories
Uncategorized

حرب عيد الغفران اليوم

Stars and Symbols. Illustration by Nerosunero, courtesy of nerosunero/Flickr

مدريد ــ في إسرائيل عموما، يتسم اقتراب الذكرى الأربعين لحرب يوم كيبور (حرب عيد الغفران، أو حرب أكتوبر)، التي تحل في السادس من أكتوبر/تشرين الأول، باحتدام المناقشة المتكررة حول فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في اكتشاف وإحباط الهجوم المصري المفاجئ. بيد أن الخطأ الذي ارتكبته إسرائيل في أكتوبر 1973 سياسي أكثر من كونه عسكريا، واستراتيجي أكثر من كونه تكتيكيا ــ وبالتالي فإن هذا الخطأ يتصل بشكل خاص بما يجري اليوم، في وقت حيث ينبغي لإسرائيل أن تتبنى سياسة سلام قوية كركيزة أساسية لعقيدتها الأمنية.

كانت حرب يوم الغفران، في نواح كثيرة، عقاباً لإسرائيل على غطرستها في مرحلة ما بعد 1967 ــ والغطرسة توَلِّد الأعداء دوما. الواقع أن هزيمة مصر في حرب الأيام الستة في يونيو/حزيران 1967 كانت ساحقة ومدوية، حتى أن قادة إسرائيل استبعدوا تماماً الحاجة إلى العمل الاستباقي في السعي إلى السلام. وكانوا حريصين على تشجيع مزاج وطني مستغرق في الاسترخاء والرضا عن الذات استراتيجيا، فتسلل هذا المزاج إلى المؤسسة العسكرية بقدر ما تأثر بها، الأمر الذي مهد الطريق لنجاح ممارسات مصر في فن الخداع التكتيكي.

قال موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك: “نحن في انتظار مكالمة هاتفية من العرب. غير أننا لن نخطو من تلقاء أنفسنا أي خطوة. فنحن سعداء تماماً بالوضع الحالي. وإذا كان هناك ما يزعج العرب فإنهم يعرفون أين يجدوننا”. ولكن عندما أجرى الرئيس أنور السادات المكالمة أخيراً في فبراير/شباط 1971 ومرة أخرى في أوائل عام 1973، عارضاً مبادرات سلام جريئة، فإن خط إسرائيل كان إما مشغولاً أو لم يكلف أحد على الجانب الإسرائيلي نفسه عناء التقاط سماعة الهاتف.

لقد جلبت حرب الأيام الستة على إسرائيل الانحطاط الأخلاقي والسياسي، وحولت المزاج الوطني على النحو الذي جعل السلام مسعى مستحيلا. كان زعماء إسرائيل مخمورين بالنصر، وعاجزين بشكل متزايد عن تمييز الفارق بين الأساطير اليهودية المسيحية والظروف الموضوعية، حتى أنهم فقدوا أي اتصال بالواقع. ووقع الجميع في حب المكسب الفجائي من الأرض التي امتدت من نهر الأردن في الشرق إلى قناة السويس في الغرب، ومن جبل حرمون (جبل الشيخ) في الشمال إلى شرم الشيخ في الجنوب.

لقد أعمت عربدة التفوق السياسي والعسكري بعد عام 1967 زعماء إسرائيل عن فرص السلام التي خلقتها المنجزات العسكرية الخاطفة. فأهدروا الفرصة لتحويل النجاح التكتيكي إلى انتصار استراتيجي جوهري للصهيونية في هيئة تسوية سياسية مع قسم كبير من العالم العربي.

كانت هزيمة الجيوش العربية في عام 1967 توطئة لتحول جوهري في بنية الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن زعماء إسرائيل إما أساءوا قراءة الأمر برمته أو تجاهلوه. فالآن لم تعد السياسة العربية المتمثلة في شعار “إزالة آثار العدوان” تنطبق على فتوحات إسرائيل في عام 1948، بل على الأراضي التي احتلتها بعد حرب الأيام الستة. ولكن بدلاً من اغتنام الفرصة التي أتاحها هذا التحول لإضفاء الشرعية على ميلادها في أعين جيرانها العرب، فَضَّلَت إسرائيل إعادة فتح المناقشة الهامدة حول الأهداف الإقليمية للصهيونية.

من الصعب أن نتخيل فجوة أعظم من تلك التي كانت قائمة بين السادات، رجل الدولة المبدع البعيد النظر، وحكومة رئيسة الوزراء جولدا مائير الجامدة. فما كانت مائير لتوافق على انتشار القوات المصرية على الضفة الشرقية لقناة السويس، وما كانت لتقبل وضع نَص يقضي بأن يقود الاتفاق المؤقت إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242.

لم يكن إحباط مبادرات السلام التي طرحها السادات راجعاً إلى افتقارها إلى الجدارة، بل لأن مصر اعتُبِرَت فاقدة لأي خيار عسكري يدعم هذه المبادرات. حتى أن وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر نصح المصريين صراحة بأن أحداً لن يأخذهم على محمل الجد إلا إذا شنوا حربا. وفي فبراير/شباط 1973، نقل حافظ إسماعيل مستشار السادات لشؤون الأمن القومي إلى كيسنجر اقتراحاً لعقد اتفاق سلام شامل مع إسرائيل ــ وكانت تلك هي المحاولة الأخيرة لتفادي الصراع العسكري. وكان رد كيسنجر: “لا أستطيع أن أتعامل مع مشكلتكم ما لم تتحول إلى أزمة”.

وافترض الإسرائيليون من جانبهم أن العرب لن يفكروا في شن حرب إلا إذا كان لديهم الفرصة للفوز. وهذا هو السبب الذي جعل مائير تتجاهل تحذيراً صريحاً من قِبَل “أفضل أعداء إسرائيل”، حسين ملك الأردن، قبل عشرة أيام فقط من اندلاع حرب 1973، بأن المصريين والسوريين يجهزون لهجوم وشيك.

ولكن السادات لم يتوقع قط إلحاق هزيمة صريحة بإسرائيل، ولم تهدف استراتيجيته إلى تحقيق نصر عسكري. كان السادات يريدها حرباً سياسية، وهو التكتيك الكلاسيكي المتمم لاستراتيجية السلام التي انتهجها. كان يريد إطلاق عملية سياسية من خلال زعزعة ثقة إسرائيل بنفسها وشعورها بالرضا عن الذات وإرغام القوى العظمى على إحياء محاولات البحث عن تسوية.

إنه لدرس حزين من الشرق الأوسط أن أي انفراجة سلام كبرى لم تأت إلا كنتيجة للحرب. فقد أدت حرب 1948 إلى اتفاقات الهدنة في عام 1949؛ وكان لزاماً أن تسبق حرب يوم كيبور السلام الإسرائيلي مع مصر؛ وأن تسبق اتفاقات أوسلو حرب الخليج في 1990-1991 ثم انتفاضتين فلسطينيتين في عامي 1987 و1992.

اليوم، تبدو الجبهة الفلسطينية هادئة. ولكن يتعين على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن تتجنب تراخي حكومة مائير وشعورها بالرضا عن الذات في عام 1973. والاستخبارات العسكرية ليست بديلاً للحنكة السياسية وفن إدارة الدولة، وتظل سياسة السلام الجديرة بالثقة هي الوسيلة الأفضل لوقف الانزلاق إلى هاوية الحرب.

ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali

Copyright Project Syndicate


شلومو بن عامي وزير خارجة إسرائيل الأسبق، ويشغل الآن منصب نائب رئيس مركز توليدو للسلام. وهو مؤلف كتاب “ندوب الحرب وجراح السلام: المأساة الإسرائيلية العربية”.


For additional material on this topic please see:

Sinai: Implications of the Security Challenges for Egypt and Israel

Troubled Times for the Sinai Peninsula

War in History and in Fiction, with Michael B. Oren


For more information on issues and events that shape our world please visit the ISN’s Weekly Dossiers and Security Watch.

 

The Yom Kippur War Today

Stars and Symbols. Illustration by Nerosunero, courtesy of nerosunero/Flickr

MADRID – The approach of the 40th anniversary of the Yom Kippur War has been marked in Israel largely by the recurrent debate about the failures of Israeli intelligence in detecting and thwarting Egypt’s surprise attack. But Israel’s blunder in October 1973 was more political than military, more strategic than tactical – and thus particularly relevant today, when a robust Israeli peace policy should be a central pillar of its security doctrine.

The Yom Kippur War was, in many ways, Israel’s punishment for its post-1967 arrogance – hubris always begets nemesis. Egypt had been so resoundingly defeated in the Six-Day War of June 1967 that Israel’s leaders dismissed the need to be proactive in the search for peace. They encouraged a national mood of strategic complacency that percolated into the military as much as it was influenced by the military, paving the way for the success of Egypt’s exercise in tactical deceit.

“We are awaiting the Arabs’ phone call. We ourselves won’t make a move,” Moshe Dayan, Israel’s defense minister, said. “We are quite happy with the current situation. If anything bothers the Arabs, they know where to find us.” But when Egyptian President Anwar Sadat finally called in February 1971, and again in early 1973, with bold peace initiatives, Israel’s line was either busy, or no one on the Israeli side picked up the phone.

Categories
Uncategorized

La guerra de Yom Kippur hoy

Stars and Symbols
Stars and Symbols. Illustration by Nerosunero, courtesy of nerosunero/Flickr

MADRID – La proximidad del 40º aniversario de la guerra de Yom Kippur se ha caracterizado en Israel más que nada por el debate recurrente sobre los fallos de la inteligencia israelí, que no detectó ni frustró el ataque por sorpresa, pero el grave error de Israel en octubre de 1973 fue más político que militar, más estratégico que táctico y, por tanto, particularmente pertinente hoy, cuando una sólida política de paz israelí debe ser un pilar fundamental de su doctrina de la seguridad.

La guerra de Yom Kippur fue, en muchos sentidos, el castigo a Israel por su arrogancia posterior a 1967: la hibris siempre engendra la némesis. Egipto había sido derrotado tan rotundamente en la guerra de los Seis Días de junio de 1967, que los dirigentes de Israel desecharon la necesidad de ser proactivos en la búsqueda de la paz. Alentaron un talante nacional de complacencia estratégica que se filtró en el ejército en la misma medida en que fue influencia de él, lo que preparó el terreno para el éxito del ejercicio de Egipto en el engaño táctico.

“Estamos esperando la llamada de teléfono de los árabes. Nosotros no adoptaremos iniciativa alguna”, dijo Moshe Dayan, ministro de Defensa de Israel. “Estamos muy a gusto con la situación actual. Si algo molesta a los árabes, ya saben dónde encontrarnos”. Pero, cuando el Presidente de Egipto Anwar Sadat llamó por fin en febrero de 1971 y de nuevo a principios de 1973 para exponer audaces iniciativas de paz, o la línea de Israel estaba ocupada o nadie por la parte israelí descolgó el teléfono.

La guerra de los Seis Días propició la decadencia moral y política de Israel, al transformar el talante nacional de un modo que hizo de la paz un empeño imposible. Ebrios con la victoria y cada vez más incapaces de distinguir la diferencia entre mitología mesiánica y condiciones objetivas, Israel y sus dirigentes perdieron el contacto con la realidad. Todo el mundo quedó encantado con la ganancia territorial que se extendía desde el río Jordán en el Este hasta el canal de Suez en el Oeste, desde el monte Hermón en el Norte hasta Sharm Al Seij en el Sur.

La orgía de triunfalismo militar y político de Israel después de 1967 cegó a sus dirigentes ante las oportunidades para la paz que sus céleres hazañas militares brindaron. Desaprovecharon la ocasión de convertir un éxito táctico en una importante victoria estratégica para el sionismo en forma de un acuerdo político con gran parte del mundo árabe.

La derrota de los ejércitos árabes en 1967 fue el preludio de una transformación fundamental en la estructura del conflicto árabo-israelí que los dirigentes de Israel interpretaron mal o pasaron por alto. La política árabe de “eliminar las huellas de la agresión” dejó de aplicarse a las conquistas de Israel en 1948 y sólo se refirió a los territorios que este país ocupó después de la guerra de los Seis Días, pero, en lugar de aprovechar aquel cambio para legitimar su nacimiento ante sus vecinos árabes, Israel prefirió reanudar el debate sobre los objetivos territoriales del sionismo.

Resulta difícil imaginar un mayor abismo que el que existía entre Sadat, el estadista creativo y con amplitud de miras, y el inmóvil gobierno de la Primera Ministra Golda Meir. Ésta no aceptó el despliegue de fuerzas egipcias en la orilla oriental del canal de Suez ni la disposición de que el acuerdo provisional concluyera con la aplicación de la Resolución 242 del Consejo de Seguridad de las Naciones Unidas.

Las propuestas de paz de Sadat no fueron derrotadas porque carecieran de mérito, sino porque no se consideraba que Egipto tuviese una opción militar para respaldarlas. El Secretario de Estado de los Estados Unidos Henry Kissinger informó implícitamente a los egipcios de que sólo se los tomaría en serio, si iniciaban una guerra. En febrero de 1973, el asesor de seguridad nacional de Sadat, Hafiz Ismail, transmitió a Kissinger una propuesta de acuerdo general de paz con Israel, como un último intento de evitar un conflicto armado. “No puedo abordar sus problemas, a no ser que lleguen a crear una crisis”, respondió Kissinger.

Los israelíes, por su parte, dieron por sentado que los árabes sólo iniciarían una guerra cuando tuvieran una posibilidad de ganarla. Ésa es la razón por la que Golda Meir hizo caso omiso de la advertencia explícita del “mejor de los enemigos de Israel”, el rey Husein de Jordania, diez días antes de la guerra de 1973, de que era inminente una ofensiva egipcio-siria.

Pero Sadat nunca abrigó la esperanza de derrotar a Israel y su estrategia no iba encaminada a la consecución de una victoria militar. La suya era una guerra política, una clásica táctica de Clausewitz que complementaba su estrategia de paz. Lo que quería era lanzar un proceso político para sacar a Israel de su autocomplacencia y obligar a las superpotencias a reavivar la búsqueda de un acuerdo.

Constituye una triste enseñanza de Oriente Medio la de que todos los avances importantes en pro de la paz hayan sido sólo consecuencia de una guerra. La guerra de 1948 condujo a los Acuerdos de Armisticio de 1949, la guerra de Yom Kippur tuvo que preceder a la paz de Israel con Egipto y los Acuerdos de Oslo requirieron la guerra del Golfo de 1990-1991 y la Intifada palestina de 1987-1992.

Hoy, el frente palestino parece en calma, pero el gobierno del Primer Ministro Netanyahu debe evitar la autocomplacencia del gobierno de Golda Meir en 1973. La inteligencia militar no es un substituto del arte del estadista y el mejor modo de detener el deslizamiento hacia la guerra sigue siendo una política de paz creíble.

Traducido del inglés por Carlos Manzano.

Copyright Project Syndicate


Shlomo Ben Ami, ex ministro de Asuntos Exteriores de Israel y actual Vicepresidente del Centro Internacional por la Paz de Toledo, es autor de Scars of War, Wounds of Peace: The Israel-Arab Tragedy (“Cicatrices de guerra y heridas de paz. La tragedia árabo-israelí”).


For additional material on this topic please see:

Sinai: Implications of the Security Challenges for Egypt and Israel

Troubled Times for the Sinai Peninsula

War in History and in Fiction, with Michael B. Oren


For more information on issues and events that shape our world please visit the ISN’s Weekly Dossiers and Security Watch.

 

Categories
Humanitarian Issues

The Price of Peace

No más FARC – Bogotá – Punto Calle 127. Photo: Patton/Flickr.

 

MADRID – The relationship between peace and justice has long been the subject of polarizing debates. Some argue that the pursuit of justice impedes conflict-resolution efforts, while others – including International Criminal Court (ICC) Chief Prosecutor Fatou Bensouda – contend that justice is a prerequisite for peace. As President Juan Manuel Santos leads Colombia through the most promising peace talks in five decades of brutal conflict with the Revolutionary Armed Forces of Colombia (FARC), he will have to consider this question carefully.

The Nuremberg trials, which followed Nazi Germany’s unconditional surrender in World War II, provide an ideal model for post-conflict justice. But, in conflicts in which no side has been defeated, the peacemaker’s job becomes more challenging. Given what is at stake, a trade-off between reconciliation and accountability may well be inescapable.

Since 1945, more than 500 cases of amnesty in post-conflict transitions have been recorded; since the 1970’s, at least 14 states – including Spain, Mozambique, and Brazil – have given amnesty to regimes guilty of serious human-rights violations. In South Africa, amnesty was a key feature of the “truth and reconciliation” process that facilitated the peaceful transition from more than four decades of white-minority rule to democracy.

Similarly, in 2003, Nigeria’s president offered asylum to his Liberian counterpart, Charles Taylor, on the condition that Taylor retire from politics, thereby helping to end the rebellion against him. (In this case, justice was later served; in 2012, the Special Court for Sierra Leone convicted Taylor of 11 counts of aiding and abetting war crimes in Sierra Leone, making him the first former head of state to be convicted for such crimes by an international tribunal since Nuremberg.)

Although it may be painful to offer a safe exit to war criminals and human-rights abusers, the prospect of ending the suffering of civilians can take priority over a principled stand for justice. Who today would oppose amnesty for Syrian President Bashar al-Assad if it ended the brutal civil war that has led to more than 100,000 deaths and created nearly two million refugees (including more than a million children) in just two years?

Categories
Uncategorized

ثمن السلام

No más FARC – Bogotá – Punto Calle 127. Photo: Patton/Flickr.

مدريد- ان العلاقة بين السلام والعدالة كانت على الدوام موضوعا للنقاشات التي تنطوي على الاستقطاب فالبعض يجادل بإن السعي لتحقيق العدالة يعيق جهود حل الصراعات بينما يجادل اخرون ومن بينهم كبير المدعين في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بينسودا بإن العداله هي شرط مسبق للسلام وبينما يقود الرئيس خوان مانويل سانتوس كولومبيا للمشاركة في أفضل محادثات مبشرة بالخير خلال خمسة عقود من الصراع الوحشي مع القوات المسلحة الكولومبية الثورية ،فأنه يتوجب عليه النظر في هذه المسألة بشكل دقيق .

ان محاكمات نورمبرج والتي جاءت بعد الاستسلام غير المشروط لالمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية هي بمثابة نموذج مثالي لعدالة ما بعد الصراعات ولكن في الصراعات التي لم يهزم فيها أي طرف فإن وظيفة صانع السلام تنطوي على تحديات اكبر واذا اخدنا بعين الاعتبار ما هو موجود على المحك فإن ايجاد توازن بين المصالحة والمحاسبة سوف يصبح امرا لا مفر منه .

منذ سنة 1945 تم تسجيل اكثر من 500 حالة من العفو في الفترات الانتقالية بعد الصراع ومنذ السبعينات وافقت 14 دولة على اقل تقدير بما في ذلك اسبانيا وموزمبيق والبرازيل على منح العفو لأنظمة مدانة بانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان وفي جنوب افريقيا كان العفو عنصرا مهما لعملية “الحقيقة والمصالحة” والتي سهلت الانتقال السلمي من اكثر من اربعة عقود من حكم الاقلية البيضاء للديمقراطية.

لقد قام الرئيس النيجيري كذلك بمنح اللجوء لنظيره الليبيري شارلز تايلور بشرط ان يتقاعد تايلر من العمل السياسي وبذلك ساعد في انهاء الثوره ضده (في هذه الحالة العدالة اخذت مجراها وفي سنة 2012 قامت المحكمة الجنائية الدولية بادانة تايلور باحد عشرة تهمة تتعلق بالمساعدة في ارتكاب جرائم حرب في سيراليون مما جعله اول رئيس دولة سابق تتم ادانته بمثل تلك الجرائم من قبل محكمة دولية منذ نورمبرج).

بالرغم ان من المؤلم تقديم الخروج الامن لمجرمي الحرب واولئك الذين ينتهكون حقوق الانسان فإن امكانية انهاء معاناة المدنيين تحتل الاولوية مقارنة بتسجيل موقف مبدئي بالنسبة للعدالة فمن اليوم سيعارض تقديم عفو للرئيس السوري بشار الاسد لو كان هذا العفو سوف ينهي الحرب الاهلية الوحشية والتي ادت الى مقتل اكثر من مائة الف شخص وخلفت حوالي مليوني لاجىء بما في ذلك اكثر من مليون طفل خلال سنتين فقط ؟

ان هذه بالضبط هي المعضلة التي يواجها سانتوس الان فلو اخذنا بعين الاعتبار الفظائع التي ارتكبتها القوات المسلحة الكولومبية الثورية فإن امكانية تعليق العقوبة هي مسألة صعبة القبول ولكن اطالة امد الصراع والذي ادى الى مصرع اكثر من 200 الف شخص وتشريد حوالي خمسة ملايين انسان ليس من مصلحة احد.

نظرا لكون الاتفاق الاخير في كولومبيا والمتعلق بالاصلاحات الزراعية قد نجح في تسوية السبب الرئيسي للصراع فإن مسألة العدالة الانتقالية قد اصبحت العامل الحاسم فيما اذا كانت عملية السلام سوف تنجح. لو ساعدت الحصانة من العقاب لمرتكبي الجرائم ضد الانسانية مهما كانت تلك الجرائم بغيضة من الناحية الاخلاقية ، على حماية ضحايا مستقبليين محتملين وذلك بانهاء الصراع فإن القبول بمثل هذه النتيجة يستحق التضحية بالعدالة للضحايا السابقين.

عوضا عن اطلاق حملة لا مساومة فيها من اجل هزيمة المتمردين قام سانتوس بتبني المسار الاكثر تحديا من الناحية السياسية وهو التسوية التي يتم التوصل اليها عن طريق التفاوض . ان هذا يعكس وجود ارادة لعمل كل ما يلزم من اجل حماية المجتمعات الريفية والتي عانت لفترة طويلة من استمرار العنف.

ان من المؤكد ان سانتوس لن يكون اول رئيس دولة يلجأ للصمت فيما يتعلق بمسألة المحاسبة ففي سنة 2003 رضخت الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي للاتفاق الذي انهى رسميا الحرب الاهلية في جمهورية الكونجو الديمقراطية والتي ادت الى مصرع حوالي اربعة ملايين انسان بالرغم من الاتفاقية كانت تفتقر الى بنود لمحاسبة مجرمي الحرب والامر نفسه ينطبق على اتفاقية السلام الشاملة في السودان سنة 2005 والتي انهت 22 سنة من الحرب الاهلية والذي نتج عنها مصرع اكثر من مليوني انسان.

في هذه الحالات –كما في كولومبيا اليوم –فإن أي مقاربة متشددة للعدالة الانتقالية لن تكون مجدية فالعدالة يجب تطبيقها طبقا لظروف سياسية محددة نتج عنها هذا التحول فالعدالة الانتقالية هي بالضرورة حل سياسي وعقد تاريخي للمصالحة الوطنية وليست مسألة قضائية صرفة.

بالنسبة لسانتوس فإن التوفيق بين السلام والعدالة ضمن سياق سياسي محلي معقد قد يتطلب صيغ بديلة مثل احكام مخفضة أو عقوبات مجتمعية أو احكام مشروطة أو اللجوء في بلدان اخرى ولكن أي من تلك الخيارات ناهيك عن العفو يجب ان لا يتم السماح به ما لم يتعاون المتمردين المسرحين بشكل كامل مع المحاكم بما في ذلك الكشف عن جرائمهم .

لقد تبنى قائد القوات المسلحة الكولومبية الثورية بابلو كاتاتومبو هذا المنطق عندما اقر بالاعمال القاسية والمؤلمة والتي ارتكبها المقاتلون وطالب بعفو جماعي يشمل جميع انتهاكات حقوق الانسان والتي تم ارتكابها من القوات المسلحة الكولومبية الثورية وقوات الامن الحكومية . لقد اصر كذلك على تحديد الضحايا وتعويضهم كشرط مسبق للسلام والمصالحة الوطنية .

عندما تكون جهود تسوية الصراعات على المحك فإن اي مسعى فردي للعقاب عادة ما يكون الخيار الخاطىء. لقد وصف رئيس الاساقفة ديزموند تيتو وهو احد قادة التحول الديمقراطي في جنوب افريقيا البديل- العدالة التصالحية- والتي تركز على “معالجة الخروقات وتصحيح الاختلال في التوازن واعادة العلاقات المقطوعة “. لو وضعنا بعين الاعتبار هذا الفهم البناء والتقدمي للعدالة فإن بامكان سانتوس كذلك ان ينجح وبالتالي يحقق مستقبل سلمي وآمن يستحقه الكولومبيون

Copyright Project Syndicate


شلومو بن عامي وزير خارجية اسرائيلي سابق وهو يعمل الان كنائب رئيس مركز توليدو الدولي للسلام وهو مؤلف كتاب ندوب الحرب وجروح السلام : المأساة الاسرائيلية-العربية.

For additional reading on this topic please see:

The Search for a Negotiated Peace in Colombia and the Fight Against Illegal Drugs

Ominous Inevitabilities

A Possible Peace Process with the ELN in Colombia

 


For more information on issues and events that shape our world please visit the ISN’s Weekly Dossiers and Security Watch.